بما أن الشيء بالشيء يُذكر, وبما أننا في عيد الأضحى المبارك, حيث تكثر الأضاحي والولائم, ويكون للأرز فيها حضورٌ دائم, فقد تذكرت خبراً غريباً قرأته قبل فترة عن حالةٍ نادرة لشخص يثمل عند أكله البطاطا, واتضح أنه يعاني من متلازمة (إنتاج الجعة ذاتياً) وهي حالة مرضيّة تقوم بتخمير النشويات في الجسم وتحولها إلى كحول, وهنا ابتسمتُ ابتسامة شيطانية, بعد أن تخيلت أن هذه المتلازمة تُصيب من يأكلون الأرز أيضاً, وكما هو معلوم أن الأرز والبطاطا أبناء عمومة من عائلة النشويات, فتخيلت هذه المشاهد :
مجموعة من الشباب مجتمعين حول صحن الكبسة الفارغ, وكل واحد منهم يمارس طقوسه, وكأنهم يحاكون أحد مشاهد التعاطي الكلاسيكية, في أفلام الثمانينات المصريّة, هذا يفتح علبة المخلل, وهذا مُمسك بقارورة الشطة, وثالث يُقطّع الطماطم والخيار, ورابع بخفّةً وليونة يعصر ليمونة, وخامس مُمّسك (بالقدر ويغرِف), وما إن همّوا بالهجوم على صحن الكبّسة, إلا وفاجأتهم المكافحة بكبّسة. وبعد مرور عِدة شهور, نفس الشباب المُتعاطين مُجتمعين, و محور الحديث بينهم ذكريات أليمة عندما جمعتهم آخر وليمة.
أحد المُدمنين السابقين وبعد أن تلقى المُساعدة والعلاج, واكتفى بأكل اللحوم والدجاج, اشتاق للأيام الخوالي, عندما كان يثمل من الأرز ولا يبالي, فذهب لأحد رفاق السوء, وطلب منه وجبة أرز بحذرٍ وهدوء, كانت قائمة الأرز مغرية ومتنوعة, مندي, بخاري, كابلي, برياني, عربي, مضغوط , …., احتار كثيراً ثم اختار, وانطلق بعيداً فرحاً بما معه, وذهب إلى خارج المدينة لكي لا يراه أحد, وما إن بدأ بتناول الأرز بشغف لُقمة تسبقها لُقمة, حتى بدأ يشعر بأعراض الثمالة, وقام يغني بكلماتٍ تجمع* بين القُبح والسفالة, ومرت ساعات وهو لا يزال وحيداً في العراء, يتراقص ويصدر أصواتاً بين العواء والمواء, ثم سقط مغشياً عليه من التعب, وما أيقظه إلا أشعة الشمس وحبات العرق, فقام من مكانه ينفض عن ملابسه الغبار, وكأن ما أصابه كان بفعل صاعقةٍ أو إعصار, وتلفتّ في المكان لعلّه يعرف السبب, فرأى بقايا الأرز فزال منه العجب, عض أصابع الندم وحلف أنه لن يعود, وأن الطريق بينه وبين الأرز صار مسدود.
اجتمع القاضي بالناس, وأصدر قراراً حسّاس, يُمنع أكل الأرز حتى اشعارٍ آخر, وتشاور القاضي مع مسؤول التجارة الذي اقترح عليه حلاً (عبقرياً) بأن يستبدل الناس الأرز (بالأندومي), ضاق الناس واحتجوا, ثم استكانوا ورضخوا, وبعد هذا القرار (الحكيم) بعام, ازداد النشاط في العباد, واختفت الكروش, واختفى أصحاب الجسم المنفوش, وطبعاً انخفضت نسبة الثمالة كثيراً, سوى من بعض المدمنين من هنا وهناك, الذين لم يجدوا طريقهم للفكاك.
وهنا توقفت عن خيالاتي العابثة, عندما رأيتُ (كرشي) في المرآة بارزة, وحمدتُ الله على ما وهبتني إياه من هيبةٍ ووقار, وأنها لو لم تكن قدراً لكانت اختيار.
من صحيفة انحاء