يبدو عنوان المقال صادماً للوهلة الأولى, ولكنه واقعٌ مرير, وفيه من الصِّحة الشيء الكثير, فالنية الحسنة لا تكفي وحدها, فقد كانت حملات التوعية بأضرار المخدرات طوال عقود تستخدم أسلوباً خاطئاً في شعارها الشهير (لا للمخدرات), فجاءت النتائج عكسيّة, وازدادت نسبة المُدمنين, وذلك لأن العقل الباطن لا يفهم معنى أداة النهي (لا) وكأن كل ما كان يصله من هذا الشعار هو كلمة (المخدرات) فقط , وهذا أحد الأمثلة على أن هناك من يسعى لترويج المخدرات عن قصد أو غير قصد.
كذلك هو الحال مع النكت التي تستخدم شخصية المحشش ليكون بطلها, ويتم تداولها بين الصغير والكبير, الجاهل والمتعلم, دون التنبه إلى أن الربط بين الحشيش وخفة الدم والظرافة له عواقبه الوخيمة, فهو من جهة يُحدث تلازماً ذهنياً بين الحشيش والضحك, ومن جهة يُهوّن من خطورة الحشيش, ويُنسينا الحقيقة المُغيّبة وهي (أن الحشيش ما هو إلا أحد أصناف المخدرات المحظورة), والتي يُحرمها الشرع لضررها على الإنسان, ويُعاقب عليها القانون لذات السبب.**
في الأفلام المصرية قديماً وحديثاً نجد أن نصف المشاهد التي توصف بأنها مُضحكة يكون أبطالها إما حشّاشين, ومثال ذلك شخصيّة (اللمبي), أو أنهم يتعاملوا مع حشّاشين, ومثال ذلك مشاهد (الغُرزة) الكلاسيكية, وكذلك الحال بالنسبة للمسلسلات المصرية مؤخراً, فقد أصبحت تنهج نهج الأفلام, ولا أدري ما هو السر في ذلك, هل هو استسهال من الكُتّاب بمعنى (أن الكاتب يرى في شخصية المحشش ذلك (المسطول) الذي يفعل أموراً غير مُتوقعة, أو يتلفظ بكلماتٍ غير مُرتبة, فمن هنا يحصل على مفارقات غريبة ومن ثم يحصل على ضحك المُشاهدين), أو أن الحشيش فعلاً يُستخدم هناك بكثرة فتكون شاشة السينما وشاشة التلفاز ماهي إلا انعكاس لما يحدث في المجتمع, وبهذه الحالة فإن هذا الفعل خاطئ جداً, لأنه يجعل الأمر طبيعياً في أعين الناس, بينما هو جريمة يُعاقِب عليها القانون, والأفلام لا تعرض مشاهد الحشّاشين من باب التوعية والتحذير, لأن (صُنّاع السينما) لا يرون في هذا دوراً لهم, ولكنه دور الوُعّاظ والمُعلمين والمُثقفين والكُتاب, لذلك يُردد أغلبهم عبارة (ليست السينما لتعليم الناس) وأنا أتفق معهم جزئياً, ولكن المعنى الذي أتفق معه كلياً (أن السينما ليس من مهامِّها إفساد الناس).*
وفي الختام, ما ذكرته من أمثلة أعلاه, هي لمن يروّجون للحشيش عن غير قصد, أما من يروجوا له عن سبقٍ واصرار, بقصد الإفساد والإضرار, من أعداء بلادنا في الداخل والخارج, من مُروّجين مُرتزقة, وعصاباتٍ مُجرمة, ودولٍ مُنحطّة, نعرفهم ولا يخفون علينا, فهؤلاء همهم الوحيد القضاء على مستقبل شبابِنا الواعد, لأنهم أعداء غيرُ شُرفاء, يؤمنون بالدسائس والمكائد, فهم بين حاقدٍ وحاسد, لذا علينا أن نكتفي بما لدينا من أعداء, ولنحّذر من الخلط بين المعاني والأسماء, فلا الحشيش نُكتة تُقال فنضحك, ولا النُكات مُحّتكرة على حماقات المساطيل.
من صحيفة انحاء