تفويض بالخط العريض
عندما يفشل الأب الجاهل في تجاوز أصغر مطب, وعندما تشعر الأم الكسولة بالعجز والملل, يبدآن التخبط والتخطيط المؤدي إلى الفشل, فيجتمعان اجتماعهما الأول والأخير, والذي صادف انقطاع الكهرباء, فكان رومنسياً على ضوء الشموع, فلا نت متصل ولا تلفاز مشتعل, وبالصدفة أيضاً كان ابنهما الصغير جالساً معهم على غير عادته, وذلك لأن خوفه من الظلام أجبره , الأب شارد الذهن يتأمل ظل ابنه على الجدار وهو يتمايل بفعل تراقص اللهب, ولاحظ من خلال طول الظل أن ابنه قد كبُر, وأن متطلبات التربية ازدادت, وبذات النظرة الشاردة تأمل حرمهُ المصون وهي تضعُ بين أسنانها حبة (فصفص)تريد ابتلاعها ثم أتبعتها برشفة طويلة من الشاي أيقظهُ من شروده صوتها, فقال لها وهو يقطُبُ جبينه مشمئزاً: يا أم فلان ألم تلاحظي أن ابننا قد كبُر, وهو يحتاج منا المزيد من التربية والرعاية, أجابته وهي تتف (الفصفص): (ولدك وإنت حُرّ فيه), ثم أردف قائلاً وكأنه لم يسمعها: أنا أرى أن نلتفت لتربيته قليلاً ونترك الإهمال الذي كنا نُمارسه معه, وأن نُخطط لكل تفاصيل حياته, فمثلاً نُفوّض الخادمة لتهتم بطعامه وشرابه ونظافته وثيابه (أم بديله), ونُفوّض الأجهزة الذكيّة لتثقيفه وتعليمه, ونُفوّض التلفاز لإشغال وقت فراغه, ونُفوّض السائق لنزهته وإيصاله, ونُفوّض المدرسة لتحسين حياته, ونُفوّض أصدقائه لتشكيل أخلاقه.
وينسى هذا الأب المُهمل (المتذاكي) أن للإنسان وللأطفال خصوصاً حاجاتٌ نفسيّة لا يُشبعها هؤلاء المفوّضون وإن أحسنوا, وهي: الحاجة إلى الطمأنينة, والحاجة إلى الحُب, والحاجة إلى التقدير, والحاجة إلى الحريّة, والحاجة إلى الانتماء, والحاجة إلى النجاح, والحاجة إلى سُلطة ضابطة تحميه.
لذلك ليتنا نُطبّق اقتراح (جان جاك روسو) على بعض الآباء حيث يقول : من لا يستطيع أن يقوم بواجب الأبوة لا يحق له أن يتزوج.
وختاماً سأكتبها وبالخط العريض, (لا يمكن التعويض باستخدام التفويض) .*
|