إبراهيم خفاجي.. شمس إبداع لا تغيب

شعلة الإبداع لا تنطفئ أبدًا عن العالم العربي، الذي قدم للإنسانية عددا من المبدعين منحوا للحياة رونقاً مختلفاً بأعمالهم التي لم تغب لحظة ، فرفعوا رايات أوطانهم ، ومن هؤلاء الشاعر الأديب المُخضرم إبراهيم خفاجي، مؤلف كلمات النشيد الوطني السعودي.

موهبة عربية وسعودية نادرة في نظم الكلمات والقوافي لتكون أبياتًا وأشعارًا تبُحر بك وتسافر عبر ستة عشر بحرًا بلا ماء، من بحور الشعر العربي.

توصف أشعار إبراهيم خفاجي بأنها من ألوان “السهل الممتنع”، أي ذات الوقع الطيب علي اللسان و الأذن التي تسمعها، لكنها عصية في البوح عن أسرارها والكشف عن مضامينها بسهولة وتحمل في طياتها الكثير من المعاني العميقة.

نشأة

ولُد إبراهيم بن عبد الرحمن بن حسين خفاجي المكي في عام 1345 هـ – 1926 م في حي سوق الليل القريب من المسجد الحرام بمكة المكرمة، ويتصل نسبه إلي خفاجة بن عقيل من هوازن, بمنطقة الحجاز.

بدأ حياته التعليمية بمدرسة الفلاح بمكة المكرمة ثم انتقل إلي مدرسة دار العلوم الدينية وتخرج منها مأموراً لا سلكياً عام 1364هـ،، كما تلقي دروسا في الحرم المكي الشريف علي يد كثير من المشايخ، ودخل أول مدرسة لاسلكي في السعودية وتخرج فيها عام 1944.

تنقل بين قري ومدن المملكة إلي أن عاد مجدداً إلي مكة المكرمة في قسم الأخبار بالنيابة العامة، وفي عام 1373 هـ انتقل إلي قسم الاستماع بالإذاعة، ثم انتقل عمله فيما بعد إلي وزارة الصحة وعمل بقسم المحاسبة ثم أصبح رئيساً للقسم ثم وكيلاً للإدارة المالية. وفي عام 1972م التحق بمعهد الإدارة بالقاهرة وحصل علي دبلوم في إدارة الأعمال والإدارة المالية فأصبح مديراً للإدارة المالية بوزارة الزراعة لشئون المياه بالرياض.

قصة نشيد

يملك خفاجي مشواراً طويلاً مع الأغنية السعودية، وأسهم بدور بارز في تطويرها بصفته شاعراً غنائياً، فكتب العديد من النصوص التي تربعت علي قمة هرم الأغنية السعودية.

وكانت كتابة النشيد الوطني السعودي أهم أعمال خفاجي الفنية والأدبية، واستغرق إعداده أكثر من ستة أشهر.

ويروي الشاعر قصة هذا العمل قائلا “جاءت فكرة كتابة نص النشيد أثناء زيارة رسمية قام بها الملك خالد بن عبد العزيز إلي جمهورية مصر العربية، وأثناء استقباله من الرئيس المصري محمد أنور السادات، أُعجب الملك خالد بالنشيد الوطني المصري، فقال علي هامش الزيارة لوزير الإعلام السعودي المرافق آنذاك الدكتور محمد عبده يماني لماذا لا يصاحب السلام الملكي السعودي نشيد وطني؟.

فاقترح الشاعر الأمير عبد الله الفيصل تكليفي بذلك”، وتأخر تنفيذ فكرة إعداد النشيد الوطني السعودي بعد وفاة الملك خالد عام 1982، ثم أحيا الملك فهد بن عبد العزيز المشروع مشترطا خلو النشيد من اسم الملك، وألا تخرج كلماته عن الدين والعادات والتقاليد، وبدأ بث النشيد في افتتاح واختتام البث الإذاعي والتلفزيوني اعتبارا من يوم الجمعة 30 يونيو/حزيران 1986.





شاعر الهلال

موهبة الخفاجي الشعرية بدأت منذ فترة مبكرة، وأول نص غنائي له كان ” يا ناعـس الجـفن لبيه ” حيث لحنه وتغني به الموسيقار طارق عبد الحكيم عام 1364 هـ، وجدده فنان العرب محمد عبده..

وبعد عودة خفاجي لأم القري أصبح المفتش المركزي لوزارة الزراعة والمياه بالمنطقة الغربية، وفي عام 1389 هـ طلب إحالته إلي التقاعد فأجيب طلبه بعد خدمة تقارب الـ ـ25 عاماً.

لقب الخفاجي نفسه بلقب شاعر نادي الهلال السعودي وذلك لشغفه وولعه به وسبق له أن تولي منصب نائب رئيس النادي في بداية تأسيسه، ونظم له أبياتًا شعرية في قصيدة سماها “هلال المجد”، والذي عبر فيه عن مشاعر الفرح والفخر والاعتزاز والإشادة بالفريق الذي يشجعه.

“عرايس المملكة”

غني لإبراهيم خفاجي، في مشواره الفني الطويل كلاً من محمد عبده 17 أغنية، وطلال مداح 9 أغنيات، ولم تقتصر شهرة خفاجي علي المستوي المحلي داخلياً فقط، وإنما ذيع صيت أشعاره عربيًا وعالميًا فتغني بأبياته عدد من المشاهير العرب منهم الفنانة اللبنانية الراحلة صباح “الشحرورة”، واللبناني وديع الصافي والمغني المصري كارم محمود ومحمد قنديل والمطربة المصرية شريفة فاضل.

كان آخر إنتاج فني له أوبريت “عرايس المملكة” الذي قدمه في عام 1416هـ وغني فيه كل من طلال مداح ومحمد عبده وعبد المجيد عبد الله وراشد الماجد بعد أن استغرق 6 أشهر في كتابته زار فيها جميع مناطق المملكة.

جوائز وتكريمات

حصل أبو الشعر السعودي المُعاصر علي جائزة هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) لأفضل أغنية في أوائل سبعينيات القرن العشرين عن أغنيته “أشقر وشعره ذهب”، ونال عام 1985 ميدالية الاستحقاق من الدرجة الأولي مع البراءة الخاصة من الملك فهد بن عبد العزيز تقديراً لجهوده في وضع كلمات النشيد الوطني للسعودية، كما كرمته جامعة أم القرى في 1996 لنجاحه في وضع كلمات أوبريت “عرائس المملكة”. وكرمته جمعية الثقافة والفنون بجدة في 2000 لعطاءاته المتميزة في عالم الأغنية السعودية. كما كُرم عام 2013 بوسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولي.




المحتوى من صحيفة ماب