مشاهدة النسخة كاملة : أوباما يفتح باب «انتهاء العُزلة» أمام السودان


ناقل الأخبار
2017-01-15, 01:16 AM
قبل أيام من مغادرته البيت الأبيض، أصدر الرئيس الأميركي المنتهية ولايته باراك أوباما قرارًا برفع بعض العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان، مشيراً إلى تطورات “إيجابية” من جانب هذا البلد حدثت خلال الأشهر الستة الأخيرة.

ونشر البيت الأبيض رسالة “أوباما” إلى الكونغرس، والتي أشار فيها إلى “تراجع ملحوظ في الأنشطة العسكرية توجت بتعهد بالإبقاء على وقف القتال”، وإلى جهود لتحسين عمل المنظمات الإنسانية في البلاد. كما أشار إلى تعاون الخرطوم مع واشنطن في “التعامل مع النزاعات الإقليمية والتهديد الإرهابي”.

وبالرغم من أن قرار الرئيس الأميركي كان برفع بعض العقوبات فقط ولم يشمل رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، إلا أن الحكومة السودانية رحبت بالقرار، الذي تسبب في عزلة الدولة لأكثر من عقدين من الزمان.



تطور العلاقات

من جهتها، قالت الخارجية السودانية: “إن الخطوة تمثل تطورا إيجابيا هاما في مسيرة العلاقات الثنائية بين السودان والولايات المتحدة الأميركية ونتاجا طبيعيا لجهود مشتركة وحوارا طويلا وصريحا شاركت فيه العديد من المؤسسات من الجانبين، وثمرة تعاون وثيق بين البلدين في قضايا دولية وإقليمية محل اهتمام مشترك”. وأضاف البيان “تؤكد الخارجية تصميم السودان على مواصلة التعاون والحوار مع الولايات المتحدة حتى يتم رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وتجاوز كافة العقبات أمام التطبيع الكامل للعلاقات بين البلدين بما يحقق المصالح العليا لشعبي البلدين”.

وكان القرار الأميركي نص على إلغاء الأمرين التنفيذين رقم (13067) الصادر بتاريخ 16 أكتوبر 1997 إبان عهد الرئيس بيل كلنتون والقرار (13412) الصادر بتاريخ 17 أكتوبر عام 2006 إبان عهد الرئيس جورج بوش واللذين بموجبهما فرضت عقوبات اقتصادية على السودان، لكن الرفع الجزئي للعقوبات لم يتضمن رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

وشمل القرار السماح بكافة التحويلات المصرفية بين البلدين، واستئناف التبادل التجاري بين السودان وأميركا. وأفاد بيان للبيت الأبيض بأن رفع العقوبات سوف يتم تأجيله لمدة 6 أشهر بهدف تشجيع الحكومة السودانية على الحفاظ على جهودها المبذولة بشأن حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب.



فرض العقوبات

شهدت العلاقات بين واشنطن والخرطوم توترًا كبيرًا منذ وصول عمر البشير للسلطة عام 1989، حيث اتهمت واشنطن البشير برعاية الإرهاب، وذلك بسبب تبنى نظام البشير خطاباً وصفته واشنطن بـ “المُعادي” للغرب، واحتضانه لزعماء جماعات إسلامية معارضة لبلدانها في المنطقة العربية، من بينهم زعيم تنظيم القاعدة الراحل، أسامة بن لادن.

وكان عام 1993 الفارق في العلاقات بين واشنطن والخرطوم، حيث فرضت الحكومة الأميركية عقوبات اقتصادية قاسية على السودان، وبالرغم من محاولات الرئيس السوداني عمر البشير لإلغاء العقوبات إلا أنه لم ينجح في ذلك.

ورغم سعي حكومة البشير لاحقاً، لتحسين علاقتها مع الولايات المتحدة، بتخفيفها لحدة خطابها الأيدولوجي، وطرد إسلاميين من بينهم بن لادن عام 1996، إلا أن واشنطن صعّدت من خطواتها تجاه السودان بفرض عقوبات اقتصادية عليه في العام التالي.



تضييق الخناق

زادت الإدارة الأميركية أكثر من تضييقها على السودان، ولكن هذه المرة كانت الضربة موجهة للشعب السوداني، حيث قصف سلاح الجو الأمريكي عام 1998 مصنعاً للأدوية في الخرطوم، مملوك لرجل أعمال سوداني، بحجة أنه مصنع للأسلحة الكيميائية، وبعدها تم خفض التمثيل الدبلوماسي بين البلدين إلى درجة قائم بالأعمال.

وبالرغم من ذلك لم يمنع ذلك الحادث الخرطوم من إبرام اتفاق تعاون مع واشنطن لمكافحة “الإرهاب”، عقب أحداث 11 سبتمبر 2001، والذي أُعلن عنه لاحقاً، دون الكشف عن تفاصيله، وبرره مدير المخابرات السوداني السابق، صلاح قوش، بأنه مثل حماية لبلاده من تلقي ضربة عسكرية على غرار الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق.

وسمحت الحكومة السودانية أيضاً للولايات المتحدة بالتوسط بينها ومتمردي “الحركة الشعبية” الذين يحاربونها جنوبي البلاد رغم اتهامها لواشنطن بدعمهم.

وبالفعل نجحت واشنطن في دفع الطرفين للتوقيع على اتفاق سلام شامل عام 2005، مهد لانفصال الجنوب، في يوليو 2011، عبر استفتاء شعبي صوت فيه 98% من الجنوبيين للانفصال.



وعود وتطبيع

بعد الوساطة الأميركية لحل الأزمة السودانية، وعدت واشنطن، الخرطوم بشطب اسمها من قائمة الدول الراعية لـ “الإرهاب”، ورفع العقوبات، وتطبيع العلاقات بين البلدين في حال التزامها بإجراء الاستفتاء، وعدم عرقلة انفصال الجنوب، وهو ما لم يحدث على الرغم من أن السودان كان أول دولة تعترف بدولة الجنوب، وشارك الرئيس البشير في حفل إعلانها بعاصمتها جوبا.

ووضعت واشنطن شروطاً جديدة، أبرزها وقف الحرب في مناطق أخرى، هي جنوب كردفان، والنيل الأزرق، ودارفور، وتحسين سجل حقوق الإنسان، وحل أزمة الحكم.

ورفضت الخرطوم هذه الشروط ورأت أنها “تدخل في الشؤون الداخلية”، واتخذت خطوات تصعيدية، بينها، رفضها منح مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد بووث، تأشيرة دخول لزيارة البلاد، والاجتماع بمسؤولين حكوميين في نوفمبر 2013.



إعادة حسابات

أثارت تصريحات المسئولين الأمريكان حفيظة الحكومة السودانية، وفي يوليو 2014، نقلت وكالة الأنباء السودانية الرسمية، عن مصدر حكومي لم تسمه، أن الحكومة بصدد مراجعة اتفاق التعاون في مكافحة “الإرهاب” مع واشنطن.

وبرر المصدر وقتها القرار الذي لم يتم حتى الآن، الإعلان عن خطوات عملية حياله بأن “العلاقات الثنائية التي ينبغي أن تشكل الإطار السياسي العام لهذا التعاون لا تتناسب مع الروح التي ظل السودان يُبديها في التعاون في هذا المجال مع الولايات المتحدة”.



تجدد العقوبات

لم تعلق الإدارة الأميركية على بيان الخارجية السودانية، بل اكتفى الرئيس الأميركي باراك أوباما بتجديد العقوبات المفروضة على السودان في أكتوبر 2014، كإجراء تقليدي منذ فرضها عام 1993، بحجة “استمرار الارتباط بشبكات الإرهاب، وانتهاك حقوق الإنسان”.

ومن جانبها أعلنت الخارجية السودانية رفضها تجديد العقوبات، ووصفت الخطوة بأنها “كيد سياسي وازدواجية في المعايير” تلقّى بعد أيام قليلة وزير الخارجية السوداني وقتها، علي كرتي، مكالمة هاتفية نادرة من نظيره الأمريكي جون كيري، اعتبرها كثير من المسؤولين الحكوميين مؤشراً على رغبة أمريكية في تطبيع العلاقات.



دعوة*غير رسمية

بدأ التفاؤل في عودة العلاقات بين البلدين بعد تلقي وزير الخارجية السوداني وقتها، علي كرتي، دعوة للمشاركة في “صلاة الإفطار الوطني” التي تنظمها مجموعة “الأسرة المسيحية” فبراير 2015 والتي تضم نخبة من السياسيين الأمريكيين.

ورغم أن الخارجية الأمريكية، قالت إن دعوة “كرتي” لم تصدر من أية جهة حكومية ضمن ردودها على حملة، قادتها مجموعة ضغط اعترضت على حضور مسؤول سوداني رفيع، لمناسبة ألقى فيها أوباما إحدى خطبه، إلا أن الخرطوم رأت في الزيارة مؤشراً على جدية واشنطن، خصوصاً مع تلقي مساعد الرئيس البشير، إبراهيم غندور، بعدها بأيام، دعوة رسمية من الكونغرس.

وبالفعل وصل غندور واشنطن، في زيارة هي الأولى من نوعها لمسؤول سوداني رفيع، والتقى بمسؤوليين أمريكيين، لكن اجتماعاته لم ترق لمستوى مقابلة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري.



انفراج العلاقة

بعد فترة التوتر التي طالت بين البلدين، وفي مؤشر آخر لانفراج العلاقة، قررت واشنطن فبراير 2015 بعد أيام من زيارة مساعد الرئيس البشير، إبراهيم غندور تخفيف العقوبات، حيث سمحت لشركاتها بتصدير الأجهزة الإلكترونية الشخصية مثل الهواتف الذكية، وأجهزة الكمبيوتر وتطبيقاتها إلى السودان.

وأرجعت واشنطن قرارها هذا إلى “الترويج لحرية التعبير، ومساعدة السودانيين على التواصل مع العالم من خلال شبكات التواصل الاجتماعي والإنترنت”.

بعدها تراجعت الخرطوم عن رفضها منح مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد بوث، تأشيرة دخول حيث زار الخرطوم في أغسطس الماضي، وسط تكتم حكومي حول مخرجات زيارته.

وأعقب ذلك، زيارة إبراهيم غندور الذي تقلد حقيبة الخارجية بدلاً من منصب مساعد الرئيس، إلى نيويورك، حيث عقد اجتماعاً نادراً مع كيري، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي ترأس غندور وفد بلاده المشارك فيها.



آثار العقوبات الأميركية

لطالما قالت الحكومة الأميركية إن العقوبات المفروضة على السودان تستهدف الحكومة وليس الشعب، إلا أن الحقيقة هي أن السودانيين هم من دفعوا ثمن هذه العقوبات وليس حكومتهم، فبالرغم من عدم وجود إحصاءات دقيقة عن إجمالي الخسائر التي تعرض لها السودان جراء العقوبات، فإن مصادر سودانية قدرّت إجمالي الخسائر بنحو 500 مليار دولار. وتقدّر الخسائر غير المباشرة التي يتكبدها السودان جراء العقوبات بأربعة مليارات دولار سنويا.

وشملت العقوبات الأميركية حظر كل أنواع التعامل التجاري والمالي مع السودان، كما خرج القطاع المصرفي السوداني من المنظومة المالية العالمية بسبب العقوبات التي تشمل أيضا منع تصدير التكنولوجيا والحجز على الأصول السودانية.

وكانت الخطوط الجوية السودانية من أكثر الجهات المتضررة من هذه العقوبات، إذ حُرمت بسببها من الحصول على قطع الغيار والصيانة الدورية لطائرتها، الأمر الذي أدى إلى بقاء معظم أسطول طائراتها رابضا في أرض المطار.

وتعرض قطاع السكك الحديدية لخسائر بالغة بسبب العقوبات وفقد 83% من بنيته التحتية، مما أدى إلى توقف عدد من القاطرات عن العمل.

وتأثر أكثر من ألف مصنع بشكل مباشر بالعقوبات بسبب عدم حصولها على قطع الغيار أو البرمجيات الأميركية. ووصلت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على جهات وبنوك خالفت هذه العقوبات 1.5 مليار دولار.



المحتوى من صحيفة ماب

Adsense Management by Losha