مركز الأخبار كل الأخبار من كل المواقع-واس، ماب، سبق القمة- أنحاء - جميع حقوق الأخبار محفوظة للمواقع الأصل ، هنا نقل آلي فقط.. |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
2016-08-18, 02:37 AM | #1 |
:: نقل آلي للأخبار ::
|
تسجيلات الأمراء الصوتية
في أبها، وبفعل صحوة الثمانينيات وما قبلها لم يكن ثمة من فرصة للغناء أو للاطلاع على جديد الأغاني المحلي والعربي، سوى تسجيلات الأمراء الصوتية في حارتنا شمسان طريق الطائف، ومحلين آخرين في الطبجية وسط أبها.*
كان ديكور تسجيلات الأمراء فاقع الحمرة. فهو من الخارج يبدو كثغر فاتنة فاغرة. ثم عن يمين الباب طفاية حريق طويلة وعن يساره توجد لافتة معلقة ومكتوب عليها : يمنع دخول النساء بلا محرم . وبالخط الصغير : حسب تعليمات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.* لا يمكن أن أنسى هذه اللافتة. فهي التي عرفت منها ما معنى محرم. وما معنى هيئة الأمر بالمعروف.. حيث أخذت أسائل هذا وذلك عن معناها، وتم شرحها لي من قبل الكبار، وأولهم أمي.* كنت أدخل ذلك المحل فأشعر أنْ قد دخلت الجنة. الجنة بمعناها الواقعي. هناك فاصل بين الزبائن والبائع. مثل برزخ يفصل بين الجنة ودخولها، وهو مصنوع من الخشب الملبس بالإسفنج وقماش القطيفة الأحمر. وفي جهة من البرزخ الأحمر توجد فتحة يدخل من خلالها البائع الى مكانه وسط أرفف تزدحم بوجوه المطربين والمطربات على أشرطة الكاسيت.* انه مكان عجيب أشبه بمعبد للفنون. كان البائع :محمد اليماني يدرك كراهية الكثيرين له. ولذلك هو شخص مسالم رغما عنه. فكما قلت هو يعرف ان الناس يرونه يأمل السحت ويتاجر في الحرام حتى أولئك الذين يزورونه بشكل شبه يومي لمعرفة الجديد، هم أيضا يَرَوْن بذلك، وبأنه شخص فاسق يأكل المال الحرام. ولذلك هو مسالم ولطيف ولا تكاد تسمع صوته.. كان مشهد امام مسجد الحارة ملفتا لانتباهي كلما مر من امام تسجيلات الأمراء، يضع يديه على أذنيه وكأنه سوف يُؤذن للصلاة، ثم يقول الله اكبر. ويكون قد تجاوز معبد الموسيقا ذاك، بسلام.* * الا ان محمد اليماني لا يتنازل عن مبادئه الراسخة، مثل : لباسه الرسمي الشماغ الأحمر والعقال والثوب السعودي والياقة المغلقة طوال الوقت. وكذلك موقفه الممانع لموضة الأغاني المسرّعة والتي انتشرت بسبب تسجيل اكبر كم من الأغاني في كاسيت من ?? دقيقة.* لكن محمد كان يؤكد دائما أنه لابد أن نستمع للأغاني كما يريد لها أصحابها، وليس كما نريد نحن أن تكون.* ورغم ذلك. كان نشاط محمد التجاري في تسجيلات الأمراء، يتمثل في خرقه المتواصل لأخلاقيات وقوانين النشر، وذلك ببيعه أشرطة منسوخة من الأصلية التي تبيعها شركات الانتاج، حيث يقوم بنسخها أمامك مثلما يضع الخباز خبزك في الفرن أمامك. ثم يبيع النسخة غير الشرعية ب?? ريالات. أما سعر الأصلية فيزيد بخمسة ريالات. وأحيانا قد لا تكون النسخة الأصلية متوفرة. فيضطر اضطرارا الى تسجيلها عنده في المحل ليبيعها منسوخة في كاسيت اسود وعليه ختم مستطيل (تسجيلات الأمراء الصوتية)!. كان محمد يسكن في حارتنا برفقة أخته وأمه.* أما سيارته فكانت كالحياة. جميلة لكنها متطلبة وكثيرة الأعطال، كانت من طراز تاون كار، ذهبية اللون. بيضاء من الداخل. ومتوقفة عند بابهم طوال الوقت تقريبا.* لم يكن لدى محمد من صديق الا واحد فقط هو زامل. (ليس بالمعنى المغربي طبعا).* زامل هذا يمثل الضد لشكل محمد. فهو أسمر ومحمد أبيض. نحيل ومحمد سمين. طويل ومحمد مستدير. لكنهما متفقان من الداخل. حيث جمع بينهما حب الغناء والفن.* كان زامل يملك ذائقة مميزة. فقد توقف عن تربية الحمام واتجه الى تربية الأغاني. فيما كان محمد ذلك الشخص “الفرصة”، والذي لديه كل شيء يحتاجه زامل: الأغاني وجهاز التسجيل والنَّاس الذين يبدون استمتاعهم بما يفعل.* وقد أسفرت تلك المصادفة عن نتاج زاخر من المنوعات الشعبية التي تفردت بها تسجيلات الأمراء الصوتية، حصريا دون سواها.* كانت اشرطة المنوعات الغنائية التي تنتجها تسجيلات الأمراء تمتاز حين تسمعها بأنك سوف تسمع توطئة محمد بصوته السمين، مع خلفية موسيقية رومانسية: تسجيلات الأمراء الصوتية تقدم لكم..* ثم تنطلق الأغاني مثل أسراب الحمام تلك التي توقف زامل عن تربيتها!. * ثم إنك في نهاية الشريط ستسمع “زامل” يضع بصمته هو الاخر، حيث يرحب بك عبر صوته الأسمر النحيل كخاتمة:* مع تحيات تسجيلات الأمراء الصوتية *أبها – طريق الطايف *تليفون: ???????.. ولقد كبرنا بسرعة. وغادرنا أبها، كما هو مفروض. وفي يوم ما قبل ?? عاما تقريبا. مررت من هناك.* فوجدت تسجيلات الأمراء قد أصبحت مطعما شعبيا. هكذا بكل بساطة. أصبح الجسر الذي حملني الى ذاكرة الغناء الأولى، محطماً. وغير موجود. لم افهم كيف قد يختفي ذلك الجسر المصنوع من دهشة النغم، والذي عبرت فوقه الى حيث الأرض الصالحة للعيش. الجسر الذي حملني إلى اجمل الأصوات التي عرفتها في مراهقتي : أحمد فتحي ، وخالد الشيخ ، وعبدالحليم وطلال مداح، وأبوبكر سالم وأنغام وطلال سلامة وعمرو دياب، وعلي عبدالكريم ومحمد عمر ومحمد عبده، وأيوب طارش. والشاب خالد. وشيماء الشايب. وميادة وكل أغنية جميلة شكلت جزءا رائعا من الحنين في الروح والذاكرة!. فضلا عن كونها قاعدة أساسية انطلقت منها نحو كل غناء جميل وأصيل ، وتجاه الأغنية الحلوة حيثما كانت في كل الأزمنة والبلدان. صدقا، حين يغدو ذلك المحل الأثير، يستهدف الجوعى الباحثين عن الطعام، وليس أهل الطرب. الباحثين عن الجمال. والمحبة. والفن. فمعنى ذلك أن الحب لا يؤكِّل* عيشاً!. وأن الفن يتلقى هزيمة ساحقة من الطعام. والأهم من ذلك أن احتياجات الروح تسقط في السوق، جراء هذه اللكمة القاضية التي تلقتها من حاجات الجسد الممثلة ب(البطن) . فضلا عن هزائمها السابقة من الجسد ممثلا (بالشهوة والإثارة) في السوق* نفسها. نعم هكذا أرى الموضوع من زاويتي. ولقد علمت أن محمد اليماني، هاجر وأهله الى جدة. فيما ذهب صاحبه زامل، الى الجيش، وتم تعيينه على الحدود الشمالية.* وهكذا الأيام . التي تمضي لتُرينا كيف أن كل شيء يفنى..كل شيء يتلاشى..يذهب مع الريح.. يهاجر.. يموت.. ينقرض.. إلا الأغنيات..* وحدها الأغنيات* التي سوف تبقى دائما وللأبد! * من صحيفة انحاء |
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
انواع عرض الموضوع | |
|
|