جماعة جلد الذات!
يُضحكني، ويرفع ضغطي كذلك، بعض المتفذلكين والمزايدين الذين يعلقون على مقالات أو تعليقات في مواقع التواصل تتناول سوء بعض الخدمات المقدمة للمواطن أو ارتفاع كلفتها أو اجتماعهما معا، ولا أدري من هو الذي لا يشعر بمثل ما أشعر عندما نتحدث عن هذه الأوضاع ثم يخرج علينا شخص ليقول: احمدوا ربكم نحن أحسن من غيرنا، أنتم تمارسون جلد الذات.
صحيح، والحمد لله، نحن أحسن من غيرنا في هذا الزمن في أمور كثيرة. الأمن والأمان والاستقرار نعمة كبرى نسأل الله دوامها، بالإضافة إلى كثير من الأشياء الإيجابية التي لا يمكن حصرها ولا يعرف قيمتها إلا الذين فقدوها في أوطانهم، لكن كثرة الإيجابيات لا يعني تجميل السلبيات ولا السكوت عليها باعتبارها أشياء طبيعية يجب تمريرها، أو التعامل معها كإفرازات ثانوية لا تستحق الاهتمام بها والتدقيق فيها. السكوت عن الأخطاء القليلة يؤدي إلى تراكمها لتصبح في يوم ما أكثر من قدرتنا على ضبطها، وتجاهل الأخطاء البسيطة سيؤدي إلى وجود أخطاء كبيرة تعطلنا عن المضي في ما هو أهم وأنفع، والمزايدة على هذه الحقيقة بالخلط الجاهل أو اللئيم بين الوطن كقيمة عليا محفوظ مكانها في الضمير ونقد الأخطاء التي تتخلل الخدمة العامة والمسؤوليات ممارسة تضر الوطن ولا تنفعه، والذين يمارسونها هم في الحقيقة أكثر ضررا على الوطن من المتسببين في حدوث الأخطاء ونشوء السلبيات.
جلد الذات مصطلح أصبح يستخدمه كثير ممن لا يعرفون معناه الحقيقي ودلالته، وإذا كان بعض المسؤولين دأبوا على استخدامه في ردودهم الباهتة على النقد الموجه لجهاتهم فإنه لا يليق استخدامه عشوائيا دون وعي، أو للمزايدة على الانتماء والإخلاص الوطني. هناك فرق كبير بين الواجب الوطني في كشف المهملين والمقصرين والعاجزين عن الوفاء بمسؤولياتهم تجاه المواطن رغم كل ما توفره لهم الدولة من دعم متعدد الأوجه، وبين النزعة السادية التشاؤمية التي لا ترى في الوطن شيئا إيجابيا يستحق الإشادة به. الأولى حالة صحية مفيدة، والثانية حالة مرضية مرفوضة، فتبينوا الفرق بينهما يا من تلقون الكلم على عواهنه ولا تعرفون أنكم لا تفيدون به وطنكم.
عكاظ
من صحيفة انحاء
|