مركز الأخبار كل الأخبار من كل المواقع-واس، ماب، سبق القمة- أنحاء - جميع حقوق الأخبار محفوظة للمواقع الأصل ، هنا نقل آلي فقط.. |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
2017-01-01, 01:20 PM | #1 |
:: نقل آلي للأخبار ::
|
«فتلك مساكنهم»
بقلم: عادل الكلباني
يسر الله تعالى لي زيارة إحدى مدن المملكة العربية السعودية نهاية الأسبوع الماضي، هي مدينة العلا، التي تقع بقربها مدائن صالح، ويسر سبحانه زيارة آثارها وتغطية بعض معالمها، ومعرفة بعض تاريخها، معرفةً جسدت ما نَمُر عليه في بطون كتب التاريخ، وما نتلوه ليلاً ونهارًا من آيات قرآنية وزواجر ربّانية، تأخذ بخيالنا إلى معالم تلك الأمم الغابرة وتهدي عقولنا إلى التفكر، وتحث أعيننا على التبصر، وطفت بكثير من أطلالها وبقايا آثارها، وتحقق عندي المقولة المشهورة «ليس الخبر كالمعاينة»، وجال في فكري تفنن القصاصين والمؤرخين، وروعة ما سطّره إبداع المتأملين والمتفكرين: حارتِ الأفكارُ في قدرةِ مَنْ قدْ هدانا سُبُلاً عزَّ وجلْ كتبَ الموتَ على الخلقِ فكمْ فلَّ مِنْ جَمْعٍ وأفنى منْ دُولْ أينَ نمرودُ وكنعانُ ومَنْ ملكَ الأمرَ وولّى وعزَلْ أينَ عادٌ أينَ فرعونُ ومَنْ رفعَ الأهرامَ مَنْ يسمعْ يخلْ أينَ مَنْ سادوا وشادوا وبنوا هلكَ الكلُّ ولمْ تغنِ القللْ ولما رأيت من يعترضون على الزيارة للاعتبار والاتعاظ والمعرفة بحجة أنها محرمة، اعتراض مَن لم يسبر أقوال أهل العلم في المسألة، ولم يأخذ بدلالات النصوص الواردة فيها من كل جوانبها، رأيت الكتابة في ذلك مبينا وموضحا، إذ إن المشكلة التي تواجهنا دوما، ولم نستطع التخلص منها حتى هذه اللحظة هي الجزم بصحة القول الذي يتبناه أحدنا، وينبثق عنه تخطئة أو تضليل القول المخالف، بل كثيرون يظنون أن لا قول مخالف، فقولهم مجمع عليه، وهو الصواب الذي لا ريب فيه! إن الله تعالى حثّ في كتابه الكريم على السير في الأرض، والاعتبار بما حل بالمكذبين، والنظر في ملكوت السماوات والأرض، وكان يحث أناسا لا يسهل السفر عليهم، وليس الانتقال إلى تلك الديار المعذبة عليهم بيسير. قال جل في علاه: “قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين”. قال الإمام الطبري: جولوا في بلاد المكذبين رسلهم، الجاحدين آياتي من قبلهم من ضربائهم وأشكالهم من الناس. وقال القرطبي: سافروا في الأرض فانظروا واستخبروا لتعرفوا ما حل بالكفرة قبلكم من العقاب وأليم العذاب؛ وهذا السفر مندوب إليه إذا كان على سبيل الاعتبار بآثار من خلا من الأمم وأهل الديار. وقال ابن عاشور: وهذا يحدوهم إلى مشاهدة ديار أولئك المستهزئين. وقال القنوجي: أي سافروا فيها معتبرين ومتفكرين، وقيل هو سير الأقدام، ثم انظروا بأعينكم آثار من كان قبلكم لتعرفوا ما حل بهم من العقوبة، أو نظر فكرة وعبرة وهو بالبصيرة لا بالبصر. وقال القاسمي: أي سيروا في الأرض لتعرفوا أحوال أولئك الأمم، وتفكروا في أنهم كيف أهلكوا، لما كذبوا الرسل وعاندوا، فتعرفوا صحة ما توعظون به، وفي السير في الأرض والسفر في البلاد ومشاهدة تلك الآثار الخاوية على عروشها تكملة للاعتبار وتقوية للاستبصار. أي فلا تغتروا بما أنتم عليه من التمتع بلذات الدنيا وشهواتها. وقال أحمد بن عبدالرحمن القاسم: أمره تعالى لرسوله أن يقول للمشركين المستهزئين به سيروا في الأرض على وجه الاعتبار والتأمل “ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين” في شمال الجزيرة، كمدائن صالح، وشمالها الغربي كبحيرة لوط، البحر الميت، وجنوبها كمدينة سبأ وقوم عاد وغيرهم. اهـ. وقد نبه سبحانه المشركين إلى مرورهم على قرية لوط فقال: “ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء أفلم يكونوا يرونها؟ بل كانوا لا يرجون نشورا” وفي الصافات قال: “وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون”. وفي هذا أن المرور بديار الهالكين ينبغي أن يثير مكامن التعقل والتدبر والنظر في عواقب الأمور. كما نص سبحانه على أن قرية قوم لوط في طريق مسيرهم كما أشار إلى ذلك ابن كثير وغيره، فهي في طريقهم إلى الشام يرون آثار تدميرها وبقايا مساكنهم. وهذا قطرة من مطرة مما يسمح المكان لنقله من أقوال المفسرين في هذا المعنى، وأظنه يكفي اللبيب، ويشفي غليل المريد. ولكن أحبابنا المعترضين لا يقنعون بسهولة بما يخالف ما يعتقدون، أو يخرج عما يعتنقون. فيتحججون بقول النبي صلى الله عليه وآله: لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم أن يصيبكم ما أصابهم، إلا أن تكونوا باكين، ثم قنع رأسه وأسرع السير حتى أجاز الوادي. والحديث له ألفاظ، في الصحيحين وغيرهما. قال ابن حجر وفي الحديث الحث على المراقبة، والزجر عن السكنى في ديار المعذبين. ولا شك أن السكنى تختلف عن المرور والزيارة للعبرة والاتعاظ. قال الكرماني نقلا عن الخطابي: وفيه دلالة على أن مساكن هؤلاء لا تسكن بعدهم ولا تتخذ وطنا، وقال ابن بطال: هذا إنما هو من جهة التشاؤم بالبقعة التي نزل بها سخط، يدل عليه قوله تعالى: “وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم” في مقام التوبيخ على السكون فيها، وقد تشاءم صلى الله عليه وسلم بالبقعة التي نام عن الصلاة فيها ورحل عنها، ثم صلى. فكراهته الصلاة في موضع الخسف أولى. قال النووي: فيه الحث على المراقبة عند المرور بديار الظالمين، ومواضع العذاب، ومثله الإسراع في وادي محسّر؛ لأن أصحاب الفيل هلكوا هناك. فينبغي للمار في مثل هذه المواضع المراقبة والخوف والبكاء. والاعتبار بمصارعهم، وأن يستعيذ بالله من ذلك. قال: وفي الحديث فوائد، منها: النهي عن استعمال مياه بئار الحجر إلا بئر الناقة. ومنها مجانبة آبار الظالمين، والتبرك بآبار الصالحين. ولكنّ أحبابنا المعترضين لا يقيمون لمن يخالفهم مقامًا، ولا ينظرون داخل النصوص النظرة الفقهية المعتبرة، ولا يعطون أدوات اللغة حقها فيما دلت عليه من معاني، فكأن (إلا) في الحديث المذكور لا معنى لها، ولم نعلم أحدًا من أرباب اللغة والنحو يومًا قال إن (إلا) تأتي زائدة، إلا في عُرف هؤلاء.. والله من وراء القصد. * نقلاً عن صحيفة «الرياض» المحتوى من صحيفة ماب |
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|