التجمعات التشريعية و(الهوية) 2/2

• على مقاعد التعليم الجامعي في -جامعة الملك سعود -كان من الإلزامي أن نتعلم مادة (الاقتصاد في الإسلام) بمحتواها الذي لا يعبر عن مستوى تعليمي مرموق يقوم على الادراك والبحث، ولازال لدكتور هذه المادة مكان في ذاكرتي فقد توالت محاضراته وهو يطرح مسألة تقارب الأديان على أن الهدف الوحيد منها هو أنتزع الإسلام من قلوب السلمين وتأليب عقول الطلاب على الأديان المختلفة، فكان هذا باختصار فحوى ساعات عملة الجامعي، وباعتقادي أن مثل هذا الأكاديمي الكثير في قاعاتنا التعليمية. أي أن هؤلاء يشكلون (تجمعات تشريعية) تحاول صياغة العقل الشعبي اتجاه الوضع الدولي ومخرجاته ومنجزاته انطلاقاً من مظلومية واقعية، أو مزورة، أو مسترجعه من فصول التاريخ.**************

• هذه التجمعات المتواجدة الان في ساحات التواصل المجتمعي أو مقاعد التعليم، ذات اتصال تاريخي وأيدلوجي بالحركات الأصولية وصدامها مع الطرح الحداثي بعد زوال الاستعمار، وتبنيها لمفهوم هو في الأساس حداثي ألا وهو (الهوية)، والانشغال ببناء هوية واحدة للفرد العربي بدءاً من أطروحات حسن البنا التي وضعة معايير لمفهوم الهوية الإسلامية والتي تتلازم مع كونك فرد مسلم، وغيره الكثير الذين يعبرون عن مفهوم الهوية من خلال انتمائتهم الدينية، وهذا فهم مجتزئ وأحادي لمفهوم الهوية الواسع والمتجدد.**

• أخذت موضوعات الهوية حيزاً واسعاً من البحث والنقاش لدى المفكرين العرب وأنا هنا لست في صدد قراءة تاريخية او نقدية لموضوعات الهوية انما للحديث عن بعض ما تطرحه هذه (التجمعات التشريعية) عن مسائل الهوية، واصرارها في كل مره على إخراج من يخالفها من دائرة هوية الفرد المسلم، فلا يمكن لهؤلاء اعتبارك ذو هوية مسلمة أن لم تحمل أفكار العداء على الغرب وأفكاره. هكذا تجدهم دائماً فلست أبالغ عندما أقول إن هذا المفهوم الاختزالي للهوية قد يتسبب في العنف، بل في أقل حالته يسبب عزلة حضارية.

• ولنكون أكثر دقة وتوصيف وتحذيراً للشباب المسلم فإن هذه (التجمعات التشريعية) المتعالية على الحضارات التي لا تؤمن بغير القوة العسكرية سبباً لتقدم والتدافع الحضاري، يطيب لها كثيراً أن تحط سفنها وتنصب محاضراتها ما بين قطر و تركيا، تحت شعارات وقنوات ودورات لا تخلو من كلمات (الامة) (الواقع) (الإسلام والسياسة) هذه التجمعات التي تحاول دائماً أن تقنعك بأن المشكلة الحضارية للعالم العربي هي مشكلة هوية وبأنها مشوشة أو مفقودة وان كنت مسلماً تؤدي واجباتك التي أمر الله بها ،* فلا يحلو لهؤلاء إلا أن تكون متطابق معهم في مفهومهم للهوية . وللحديث عن هذا يجب أن نعلم أن الهوية لها تفرعات كثيرة اجتماعية وفكرية وسياسية وثقافية، من المستحيل أن تتشابه هذه الهويات في هوية جامعة واحدة، فعندما تكون مسلماً فإنه من الطبيعي أن تكون ذو هوية مسلمة لكن ليس من المعقول أن أكون ذو هوية سياسية إسلامية، قد أكون اشتراكي، ليبرالي، عروبي حيث لا يخرجني هذا من هويتي كمسلم. ولتوضيح أكثر لا يمكن نفي هوية الإسلام عن كل سيدة مسلمة لم تتحجب.

• أن هؤلاء ينفون أي حق للاختيار بل يفضلون الامتثال لكل مفاهيمهم عن الهوية حيث لا يستطيع هؤلاء رؤية المسلمين إلا في هوية واحدة. فلا يفهم هؤلاء أني قد أكون مسلم وأرى بالعلمانية كنظام سياسي، وشغوف بالأدب العربي والتاريخ الاندلسي، وأفضل الموسيقى الغربية، واستمتع بالأكل الصيني، وقارئ للفلسفة الألمانية. يستعصي على هؤلاء فهم أن الاختيار والعقل يسبق الهوية، وأن الناس ليسوا كالمشط الواحد، حيث أن هذا الإصرار المتعمد على شكل واحد من الهوية حتى لو كان ضمنياً** يجعل من مجتمعاتنا أكثر فوضوية وأقل إنتاجية وحضارة.* فالمجتمعات ذات الهويات المتعددة أكثر قوة إنتاجية، ومقدرة على خلق الحلول وتجاوز العقبات.

• أدرك بالفعل أن كل من، يمكنه أن يمتلك هويات متعددة مختلفة تتعلق بجماعات وأفكار مختلفة، وأعلم أيضاً أن هويتك ما أن تمنعك من التسامح مع هوية الاخر ستصبح متطرفٌ من أجلها، فلا نترك للحملات الدعائية الموجهة من قبل الأصوليين والمتطرفين في الغرب أن تنجح في إقناع العالم بأننا متطرفين فالعالم اليوم يراقبنا من خلال التقنيات المشتركة. كما أن الإسلام واضح في موقفة من السلام والحرب.

التجمعات التشريعية 1/2